منوعات

رابعه شهيدة العشق الألهى تنفى علاقتها بالغوانى

من هى رابعه العدويه :

كانت رابعة الإبنة الرابعة لأبيها ، وهذا سبب تسميتها ، تربت يتيمة ، فقد توفي والدها ولم تتجاوز العاشرةَ من عمرها بعد ، ولحقت أمها به بعد فترةٍ وجيزة ، لتجد نفسها مع أخواتها دون معيلٍ لهن في الحياة ، ليذقن مرارة الفقر والجوع والهزال واليتم الكامل ، فلم يترك لهن والدهن سوى قارب لنقل الناس بمبالغ زهيدة في أحد أنهار البصرة ، فانطلقت للعمل لتحل محل أبيها ، لتعود منهكةً تهوّن على نفسها هذا الشقاء بالغناء .

في مدينة البصرة،وفى سنة 717 ميلاديا، وُلدت أم الخير رابعة بنت إسماعيل القيسية العدوية البصرية.. لأب عابد فقير لديه ثلاث بنات، ومات الأب ورابعة لم تزل طفلة دون العاشرة، ولم تلبث الأم أن لحقت به، فوجدت الفتيات أنفسهن بلا عائل يُعانين الفقر والجوع والهزال.. فتفرقن لتبحث كل واحدة منهن عن طريقها..

رابعة العدوية والتي تكنى بـ (أم الخير) ، عراقية من مدينة البصرى ، من أشهر الشخصيات في (عالم التصوف) ، وهي تعدّ من أحد مذاهب “العشق الإلهي”

هى أشهر النساء العارفات بالله تعالى. قصتها فى حب الله تتناقلها الأجيال الإسلامية، جيل بعد جيل، لكونها نموذجاً رائعاً وقدوة صالحة لمن ترغب فى معرفة طريق الله والإصرار على التمسك بدينه. وحياتها سراج يضىء الطريق إلى حب الله، ولذا لقبها الناس بشهيدة العشق الإلهى.

رابعه شهيدة العشق الالهى تنفى علاقتها بالغوانى :

اجتاحنى همُ وكربُ عظيم،يوم الثلاثاء الماضى،بعد أمسية حزينة،أحسستُ يومئذ أن الأرض ضاقت علىّ بما رحبت،ولما غلبنى النوم،رأيتُها فى منامى..كأن الله منحها وحدها شطر الحُسن،كانت تناجيه فى خشوع،وتبتهل إليه فى حب،تردد كلاما لم تسمعه أذناى من قبلُ،كلاما كسر بعض ما بداخلى من صخور الحزن والبؤس..وجدتُها وقومها يعبدون الله من دون خلقه،فهم فى دار الحق،ونحن لم نزل فى دار الباطل،حيث مواكب الآلهة،وحشود الطواغيت،وغلمان الشياطين،وخدم إبليس..

كانت تقول فى تبتُل لبارئها الذى أحسن صنعها،وخلقها فى أحسن تقويم:«إلهي أنارت النجومُ، ونامت العيونُ، وغلَّقت الملوكُ أبوابها، وخلا كلُ حبيب بحبيبه، وهذا مقامي بين يديك.. إلهي هذا الليلُ قد أدبر، وهذا النهارُ قد أسفر، فليت شعري أقبلت منى ليلتي فأُهنّأ، أم رددتها علىّ فأُعزّى، فوعزتك.. هذا دأبي ما أحييتني وأعنتني، وعزتك لو طردتني عن بابك ما برحتُ عنه، لما وقع في قلبي من محبتك..يا رب.. أتحرقُ بالنار قلبًا يحبُك، ولسانًا يذكرك، وعبدًا يخشاك ؟ سيدي.. بك تقرّب المتقربون في الخلوات، ولعظمتك سبّح الحيتان في البحار الزاخرات، ولجلال قدسك تصافقت الأمواجُ المتلاطماتُ، أنت الذي سجد لك سوادُ الليل وضوءُ النهار، والفلكُ الدوارُ، والبحرُ الزخارُ، والقمرُ النوارُ، والنجمُ الزهارُ، وكلُ شيء عندك بمقدار، لأنك الله تعالى العلي القهار»..إنها كلمات ليست كالكلمات،تلك التى ترددها هذه العابدة الخاشعة..كلمات أبكت قلبا أعماه زيفُ الدنيا،عن حقيقة الآخرة،دنوتُ منها،ألقيتُ عليها التحية،فردت بأحسن منها،قلتُ لها:من أنت؟

فتبسمت ابتسامة حانية صادقة،ثم قالت: ألا تعرفنى؟ قلتُ:لا.. وربى،ولكنى آراك امرأة ليست كالنساء،فسألتنى: وما لهن النساء؟ فأجبتُها: هن وقود النار..فقاطعتنى:بل استغفر الله،إنه كان غفارا،يجعل السماء عليك مدرارا،ويمددك بأموال وبنين،ويجعل لك جنات،ويجعل لك أنهارا،فقلت لها:هذا رأيى،جزاك الله خيرا يا سيدة قومك،ولكن أخبرينى بالله عليك،من أنت؟ فقالت:أنا أم الخير رابعة العدوية،فأسقط فى يدى،ثم تمالكتُ نفسى،وقلت:قد أحسن الله مثواك،فقالت: الحمد لله،ثم سألتنى:ما يحزنك؟ فأجبتُها:هموم بالليل،وأخرى بالنهار،فقالت:ادع الله أن يفرج عنك كروبك،ويزيح عنك همومك،فقلت:دعوتُه كثيرا،دون جدوى،فقاطعتنى:إذن..فالعيب فيك أنت،وأعظك أن ترضى عن الله حتى يرضى الله عنك،فأردفتُ:لا شك فى ذلك،ولكن كيف أرضى عن الله؟فقالت: يوم تُسرُّ بالنقمة سرورك بالنعمة لأن كليهما من عند الله،ثم أنشدت:

تعصى الله وأنت تُظهر حُبه هذا لعمرى فى الفعال بديعُ
لو كان حُبك صادقا لأطعته إن المُحب لمن يحب مطيعُ
وبعدها تلت قوله تعالى:»أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض؟»،وبعدها رفعت يديها إلى السماء،دون وجهها حياء من الله،كما كانت تفعل فى الدنيا، وأنشدت:
فليتك تحلو والحياة مريرةٌ
وليتك ترضى والأنام غضابُ
وليت الذي بيني وبينك عامرٌ
وبيني وبين العالمين خرابُ
إذا صحّ منك الودُّ فالكلُ هينٌ
وكلُ الذي فوق التراب ترابُ.

فقلت:نعم القولُ قولُك يا سيدتى..ولكن ما السبيلُ؟ فأجابت:السبيل الوحيد أن تحب الله،فحبُّ الله منجاة من كل سوء،وحب النفس والدنيا مجلبة لكل سوء،ثم رفعت يديها إلى السماء وخاطبت الله جل فى علاه:

أحبك حبين حب الهوى
وحبًّا لأنك أهلٌ لذاكا
فأمَّا الذي هو حبُّ الهوى
فشُغلِي بذكرك عمَّن سواكا
وأمَّا الذي أنت أهلٌ له
فكشفُك لي الحُجبَ حتَّى أراكا
فلا الحمد في ذا ولا ذاك لي
ولكن لك الحمد في ذا وذاكا

ثم التفتت إلىّ وقالت:اعلم يا هذا..ليس فى دنياك راحة،فسألتُها:وكيف تحصلت أنت على الراحة فى حياتك وبعد موتك؟ فابتسمت ابتسامة الرضا،وأنشدت:

راحتي يا إخوتي في خلوتي
وحبيبي دائماً في حضرتي
لم أجد لي عن هواه عوضا
وهواه في البرايا محنتي
حيثما كنت أشاهد حُسنه
فهو محرابي، إليه قبلتي

من أسف..أن نفسى الأمّارة بالسوء،غلبت نفسى اللوّامة،ولم تخشع أمام تلك الحالة الإيمانية الفذة،فسألتُها فى خُبث:ولكنك يا سيدتى..عشقت الدنيا فى بدء حياتك،وعانقت شهواتها،فقاطعتنى،وقد تجهم وجهها،وتلاشت ابتساماتها، وقالت: معاذ الله،إنه ربى،أحسن مثواى،هذا افتراء وكذب،ثم سألتنى:من قال هذا؟ فقلت:الأعمال الفنية والكتابات التى تناولت سيرتك تؤكد أنك عشت حياة تخاصم ما انتهيت إليه تماما،ولما غمض عليها ما أقول،قلت لها:باختصار..الصورة الراسخة في أذهان الكثيرين عنك هي صورة الغانية التي تمرّغت في حياة الغواية والشهوات، حتى إذا آذن شبابها بذهاب، اتجهت إلى العبادة والطاعة،فغلبتها دموع أحسستُ أنها صادقة،ثم قالت:يعلم الله أننى لم أكن كما قال عنى المغرضون،وأشهد الله على ذلك،فاعتذرتُ منها،ثم أكدت لها أن كتبا مثل:«رابعة العدوية شهيدة العشق الإلهى» للدكتور عبد الرحمن بدوى،و«شهيدة العشق الإلهى» لطاهر أبوفاشا،تناولت حياتها من هذا المنطلق،فقالت:غفر الله لمن تقول علىّ أو أساء إلىّ..ثم انخرطت فى نحيب غزير،ثم رفعت يديها إلى السماء، وقالت: «إلهي أنت تعلم أن قلبي يتمنى طاعتك، ونور عيني في خدمتك، ولو كان الأمر بيدي لما انقطعت لحظة عن مناجاتك»،ثم تلت قول الله تعالى: «وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُوْلَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ».

نفسى الأمّارة بالسوء سألت رابعة هذه المرة،عن حقيقة ما نُسب إليها من وصفها للكعبة بالصنم المعبود فى الأرض،فأجابت:وهل يقول ذلك إلا كافر بما نزل على محمد صلى الله عليه وسلم،والبيت الحرام لا يعبده المسلمون من دون الله،بل يعبدون رب البيت بالطواف به والصلاة له،والله يعلم براءتى من هذا القول الآثم،ثم انسابت من عينها اليمنى دمعتان أو ثلاث،وقالت:أى بُنىّ..مثلى لا يصح عنه «الحلول» و«الاتحاد» مطلقاً، ولا ما يخرجنى عن الإسلام أصلاً، أو الدعوة إلى الزندقة، فأنا فقط مجرد امرأة مؤمنةعابدة خاشعة.
قلتُ لها:وما حقيقة إيمانك يا سيدتى؟ فأجابت:«حقيقة إيمانى أنى ما عبدتُ الله خوفًا من ناره، ولا حبًا لجنته، فأكون كالأجير السوء، بل عبدته حبًا وشوقًا إليه».

قلت لها:هل حقا كنت تصلين ألف ركعة فى اليوم والليلة؟ فقالت:«نعم..ولكن ما كنتُ أريد بها ثوابا، بل لكي يُسرَّ به رسول الله يوم القيامة، فيقول للأنبياء: انظروا إلى امرأة من أمتي هذا عملها»،ثم أنشدت:

عـرفتُ الهـوى مذ عرفتُ هـواك
وأغـلـقـتُ قلـبـي عـمـن سـواك
وكــنتُ أناجيـــك يـــا من تــرى
خـفـايـا الـقـلـوب ولسـنـا نـراك
أحبـــك حـبـيــن حـب الهـــــوى
وحــبــــا لأنـــك أهـــل لـــذاك
فــأما الــذي هــو حب الهــــوى
فشـغلـي بـذكـرك عـمـن سـواك
وأمـــا الـــذي أنــت أهــل لــــه
فكـشـفُـك للـحـُجـب حـتـى أراك
فـلا الحـمدُ فـي ذا ولا ذاك لـــي
ولـكـن لك الـحـمـدُ فـي ذا وذاك
أُحبــك حـبـيـن.. حــب الهـــوى
وحــبــــا لأنــــك أهـــل لـــذاك
وأشتـاق شوقيـن.. شوق النـوى
وشـوقا لقرب الخلـي من حمـاك
فأمـا الــذي هــو شــوق النــوى
فمسـري الدمــوع لطــول نـواك
أمــا اشتيـــاق لقـــرب الحمـــى
فنــار حيـــاة خبت فــي ضيــاك
ولستُ على الشجو أشكو الهوى
رضيتُ بما شئت لـي فـي هداكـا

قلت:يا أم الخير،هكذا كانت تُكنّى فى الدنيا،وكيف يصل العبد إلى إدراك حب الله؟ فأجابت:»مُحبُّ الله لا يسكن أنينه وحنينه حتى يسكن مع محبوبه،و يكتم حسناته كما يكتم سيئاته»،ثم أنشدت:
يا سُروري ومُنيتي وعمـادي
وأنـيـسـي وعُـدتـي ومــرادي
أنت روحُ الفؤاد أنت رجائـي
أنت لي مؤنسٌ وشوقك زادي
أنت لولاك يا حياتي وأنســي
مـا تـشـتتُ في فـسـيـح البـلاد
كم بدت منةٌ، وكم لك عنــدي
مـن عـطـاء ونـعـمـة وأيـادي
حبـك الآن بغيتـي ونعـيـمــي
وجـلاء لعيـن قلبــي الصـادي
إن تكـن راضيـاً عنـي فإننــي
يا منـى القلب قد بـدا إسعـادي

سألتها : كيف بلغت هذه المرتبة العالية في الحياة الروحية؟ فأجابت :» بقولي: دائما اللهم إني أعوذ بك من كل ما يشغلني عنك ومن كل حائل يحول بيني وبينك» .
قلتُ لها:الصوفيون الذى نعرفهم غيرك تماما،هم يتصنعون الزهد،ولكنهم أهل دنيا وهوى،فأردفت: الصوفية ليست زهدا ومناسك،ولا استغراقا فى الملذات ولا انفصالا عن الواقع،بل حب قوى دفّاق لله،جل فى علاه.

قلت:ختاما..بما تعظين عموم المسلمين،الذين شاع فيهم الضلال؟ فأجابت:«أن نحب من أحبنا أولاً وهو الله»،حينئذ..استيقظتُ من نومى على صوت الشيخ محمد رفعت،يتلو فى خشوع قول الله تعالى:» قل ياعبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم، وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون، واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة وأنتم لا تشعرون، أن تقول نفس يا حسرتى على ما فرطت في جنب الله وإن كنت لمن الساخرين، أو تقول لو أن الله هداني لكنت من المتقين، أو تقول حين ترى العذاب لو أن لي كرة فأكون من المحسنين، بلى قد جاءتك آياتي فكذبت بها واستكبرت وكنت من الكافرين»..فأحسستُ أننى قد صرتُ إنسانا جديدا..ولكن ليس كـ«رابعة العدوية».

كانت مدينة البصرة في ذلك الوقت تعاني من وباء اجتاحها وأصابها بالقحط،ما أدى إلى انتشار اللصوص وقُطَّاع الطرق،حتى أن أحد اللصوص خطف رابعة وباعها بستة دراهم لأحد التجار القساة..

ذات ليلة استيقظ سيدها من نومه فسمع صلاتها ومناجاتها فنظر من خلال الباب، « فرأى رابعة ساجدة تصلى وتقول: إلهي أنت تعلم أن قلبي يتمنى طاعتك، ونور عيني في خدمتك، ولو كان الأمر بيدي لما انقطعت لحظة عن مناجاتك، ولكنك تركتني تحت رحمة هذا المخلوق القاسي من عبادك، هنا دعا رابعة وقال: أي رابعة وهبتك الحرية، فإن شئت بقيت ونحن جميعًا في خدمتك، وإن شئت رحلت أنى رغبت، فما كان منها إلا أن ودعته وارتحلت».

رابعه منذ الصغر :

اشتاقت نفس رابعة،وهى ابنة عشرة سنة للدنيا الخلاء من الناس المليئة بالله وحده.. فقد تخلص قلبها من الدنيا وكل ما فيها، وخلص من الرغبات والشهوات والخوف والرجاء.. لم يبق فيه إلا شىء واحد الرضاء عن الله والعمل على الوصول إلى رضاء الله عنها.. ورفضت كل من تقدم لزواجها، فليس في قلبها مكان لغير الله.. وليس لديها وقت تشغله في غير حب الله.

رابعه البتول :

عاشت طوال حياتها عذراء بتولاً برغم تقدم أفاضل الرجال لخطبتها لأنها انصرفت إلى الإيمان والتعبُّد ورأت فيه بديلاً عن الحياة مع الزوج والولد.

 

مرقد رابعه العدويه

وفاة رابعه العدويه :

لقيت رابعة ربها،فى سنة 796 ميلاديا،وهى في الثمانين من عمرها،بعد حياة حافلة بالإيمان والعبادة وحب الله،ودُفنت فى الفدس.

 

ربما يعجبك أيضا ...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *